سقراط والجمال والفضيلة

الجمال والفضيلة
من كتاب الجمهورية لسقراط
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

فالأسلوب الرفيع والانسجام والجمال وحسن الإيقاع كلها تنبع من الخلق الفاضل .
ولست أقصد بهذا الغباوة التى يسميها المتملقون باسم الخلق الفاضل ، ولكن أقصد الذكاء الذى يجعل الخلق فاضلا وجميلا بالمعنى الحقيقى .
أليست هذه هى الأشياء التى ينبغى أن يسعى شبابنا لنوالها حتى يتاح لهم أن يؤدوا واجبهم فى الحياة؟
ولاشك أن فن التصوير ملئ بهذه الصفات ، وكذا بقية الفنون المماثلة ، وفن النسج والتطريز والعمارة وصناعة كل ما يحتاج إليه الإنسان ، وكذا طبيعة الأجسام وكافة الأحياء.

كل هذه الأشياء إما أن تتصف بالجمال وإما أنها عاطلة منه ، والخلو من الجمال والخلو من الإيقاع والخلو من الانسجام كلها أقران للأسلوب الردئ وللخلق الردئ ، وبالمثل فالصفات المضادة قرينات للحكمة وللخلق الحسن وتقليد لهما.

فهل نتدبر أمر الشعراء وحدهم ونطالبهم بأن يصوروا الخلق الفاضل فى قصائدهم إذا هم أرادوا أن يكتبوا الشعر فى مديتنا؟
أم أن علينا أن نتدبر أمر الفنانين الأخر ونشرع لهم القانون بأنه لا يجوز تصوير ما هو مناف للأخلاق وما هو مسرف لا يخضع لنظام وما هو زائف وما هو دميم لا فى صور الحيوان ولا فى العمارة ولا فى أى فن من الفنون الأخرى ، والقائل بأن فنانا يتصف خلقه بهذه الصفات لا يجوز له أن يعمل بيننا حيث يشب أولو الأمر فى مدينتنا وسط هذه الأشكال الشائخة كما تشب البهم وسط المراعى الفاسدة ، فيقطفوا كل يوم شيئا من هذه الأخلاط المعطوبة ويتغذوا بمضغة صغيرة منها يوما بعد يوم حتى تجتمع فى نفوسهم فى النهاية دون وعى منهم كتلة عظيمة من الشرور؟

ألا يجدر بنا خيرا من هذا أن نبحث عن فنانين يكونون أعظم نبوغا ممن يستطيعون الكشف عن طبيعة الجمال والرشاقة ، حتى يمكن لشبابنا أن ينهلوا الفضيلة من كل مكان شأن من يعيشون فى بقعة صحية ، وحتى تتعرض أبصارهم وأسماعهم على الدوام لتأثير الأعمال الجميلة التى تأتيهم بالصحة كالنسمات الوافدة من المناخ السعيد وتقودهم دون وعى منهم إلى أن يعشقوا جمال العقل ويتخذوه لهم مثالا وقد انسجمت معه نفوسهم؟