الاختلاف طبيعة بشرية، فالبشر مهما كانوا متفقين في توجهاتهم ومهما كانوا قريبين من بعضهم فهذه طبيعتهم. لكن يا ترى كم من الناس يؤمن بمبدأ الاختلاف؟ وكم من هؤلاء المؤمنين به يعمل بضوابطه؟ وكم من هؤلاء الذين يعملون بضوابطه يذهبون به ومعه إلى نهايته من دون أن تغلبهم مصلحة أو يعتريهم ضعف أو هروب من هزيمة كما يُعتقد؟ وكم من هؤلاء الذين يصلون به إلى آخر درجاته وهو الاعتراف بالهزيمة ويملكون معها شجاعة الاعتذار؟ بالتأكيد هؤلاء لا يشكلون نسبة كبيرة باعتقادي الشخصي.
أوردت هذه المقدمة للتدليل على نقطة جوهرية هي أن ثقافة الاختلاف لم تؤسس في مجتمعاتنا العربية التأسيس الصحيح والذي يجعلنا نؤمن بمثل هذه القيم الضرورية للحياة ولو أرجعنا السبب لوجدناه مسؤولية أطراف عدة؛ حيث هي التي تقوم بزرع مثل هذه القيم والتي أهمها على الإطلاق الإيمان بالحوار والاختلاف واحترام الرأي الآخر؛ لأن ذلك يعفي المجتمع من عثرات كثيرة تقف عائقاً دون تطوره على المستوى التواصلي والفكري والديني وعلى مستوى الحياة الاجتماعية بشكل عام. أعود وأقول: مرجع هذا –حسب اجتهادي- إلى 3 أسباب هي حسب الأهمية والمسؤولية بداية من التربية المنزلية، ثم المدرسة وهي المحتضن الثاني لهؤلاء الناشئة وهي حكاية بحد ذاتها؛ لأن مناهج التعليم لا ترسخ مثل هذا المفهوم، وكثير من معلمينا لا يحاولون تكريس إبداعاتهم -إن وُجدت- ليرسخوا هذه المفاهيم لأنهم لا يملكونها أساساً ولم يتربوا عليها وبالتالي فاقد الشيء لا يعطيه، ناهيكم عن الفكر الأحادي الذي يعشش في جماجم كثير من هؤلاء وكانت كثير من نتائجه وخيمة على أمتنا. فما حدث لدينا في السعودية بعد ثبوت دور بعض المدارس وبعض المراكز الصيفية العكسي في غسل أدمغة فلذات أكبادنا وشبابنا بنظرية المؤامرة والاستهداف وذهبوا إلى المبادرة في كبح جماح هؤلاء الغزاة الذين يريدون لأمتنا الدمار ولديننا الخذلان، وتجدهم متعلقين بمجموعة من المصطلحات التي لا يعرفون مدلولاتها سوى أنها نقلت لهم كالعلمانيين والليبراليين والجاميين.. والقائمة تطول.. والمحصلة أن هؤلاء هم أول من وقع تحت تأثير الأفكار التي لا تريد لبلادنا الأمن والرخاء.
أما السبب الثالث فيدخل في نطاق القرار السياسي وهذا هو المهم والفيصل في كل معطياتنا كحل أخير. ففي يد السياسي تعديل وتطوير المناهج على مستوى التعليم العام وفي يد السياسي ترجمة كثير من القرارات الصادرة في تنظيم الحياة العامة، ومنها على سبيل المثال حقوق المرأة والطفل وجعلها واقعاً معمولاً لا قراراً مركوناً يعلوه الغبار. وفي يد السياسي أن يجعل تسييس ثقافة الاختلاف وتحويلها إلى عدائية لصالح فئة ضد فئة أخرى أمراً مخالفاً للقانون ويخضع صاحبه للمحاكمة والعقوبة المشددة. من هنا فالحوار أداة من الأدوات الحضارية للمجتمعات المعاصرة إن لم يكن أهمها لأنه هو المؤسس للمفاهيم التنويرية معرفياً وثقافياً والحوار الذي أقصده ليس حواراً بين شخصين فقط كما يُعرف ولكن حتى بين مجموعتين أو فئتين أو مذهبين أو دولتين. الحوار الحقيقي هو من يلبي حاجة إنسانية ترغب في التواصل والاندماج والتوازن، وللحوار استراتيجيات ومبادئ كثيرة وهي في مجملها أدبيات لعل تجربتنا في السعودية بعد إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني تعطينا مؤشراً على غرس هذه الثقافة بشكل صحيح، ومع ذلك فأنا أطمح ليكون دور المركز أكبر وأشمل. ولنسأل أنفسنا من منا يملك هذه الأدبيات؟ طاب يومكم.
سمر المقرن
الخميس ديسمبر 03, 2009 2:49 am
